فصل: مسألة ضلت منه أضحية فوجدها بعد أيام الذبح وقد ضحى بأخرى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة المنهوش يوصف له أن يشق بطن شاة حية فيدخل رجله في كرشها:

وسئل مالك: عن المنهوش يوصف له أن يشق بطن شاة حية فيدخل رجله في كرشها، فقال: ما يعجبني، ولو فعل ما أقول له فذبحها، ثم يشق جوفها وهي تركض فيدخل رجله في كرشها وهي حية تركض، قال: إنه يقال: إن هذا أبلغ، قال: ما يعجبني هذا وما هو بالبين، قيل له: أيصلح أن يذبحها ثم يشق بطنها وهي حية تركض؟ فقال: يقول: إنه على وجه الدواء، وكأنه يكرهه.
قال محمد بن رشد: لم يجز مالك رَحِمَهُ اللَّهُ شق بطن الشاة وهي حية للتداوي بذلك، وخشي أن يكون ذلك من العيث الذي قد حرمته الشريعة، وروي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من مثل عصفورة فما فوقها عيثا بغير حقها يسأله الله عز وجل عن مثلها، قيل: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: يذبحها ولا يأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي بها»، ولهذا قال أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ليزيد بن أبي سفيان إذ شيعه في الغزو: ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة وخفف شق جوفها بعد ذبحها قبل أن تزهق نفسها، وإن كان ذلك عنده مكروها لضرورة التداوي، فقوله: ما يعجبني لفظ ليس على ظاهره؛ لأنه يقتضي الكراهة دون الحظر، والحظر في فعل ذلك أبين، وقوله: وما هو بالبين يريد وما شق جوفها بعد ذبحها للتداوي بذلك بين فكيف بشقها قبل ذبحها.

.مسألة الشاة انكسرت ثم جبرت أتجزي للضحية:

وسألته عن الشاة انكسرت، ثم جبرت أتجزي للضحية؟ قال: نعم، إن كانت قد صحت حتى لا ينقص ذلك من ثمنها ولا من صحتها ولا من مشيها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنها إذا صحت ولم يصبها من ذلك نقص، فكأنها لم يكن بها قبل كسر، وإن بريت وبها عتل أو عرج نظر إلى قدره، فإن كان يسيرا أجزأت، وإن كان كثيرا لم تجز لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «والعرجاء البين عرجها».

.مسألة اليتيم يكون له ثلاثون دينارا أيضحي عنه وليه:

وسمعت مالكا وسئل عن اليتيم يكون له ثلاثون دينارا أيضحي عنه وليه بالشاة بنصف دينار ونحوه؟ قال: نعم، ورزقه على الله.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن اليتيم وغيره من الأحرار في الضحية سواء، فيلزم الوصي أن يضحي عنه من ماله إلا أن يكون ماله يسيرا وثمن الضحية كثيرا فيخشى عليه الحاجة إن ضحى عنه، ورأى الضحية بنصف دينار من ثلاثين دينارا مما يلزم الوصي أن يفعله ويصدق في ذلك كما يصدق في تزكية ماله وفي النفقة عليه إذا كان في عياله، وإن كانوا إخوة ومالهم في يده مشتركا بينهم ضحى عن كل واحد منهم شاة شاة، ولم يجز أن يضحي عنهم من مالهم المشترك بينهم شاة واحدة، ويجوز له أن يضحي عنهم كلهم بشاة واحدة من ماله إن كانوا في بيت واحد، ولا يجوز له أن يدخلهم في أضحيته إن كانوا في عياله إلا أن يكونوا من قرابته.

.مسألة الأكل من ذبيحة اليهودي وأكل اليهودي من ذبيحة المسلمين:

وسئل مالك قيل له: إن اليهودي يذبح لنفسه فيطعمك من ذبيحته، فإذا ذبحت أنت شاة لنفسك لم يأكل منها، ويقول: إن أردت أن آكل فهات حتى أذبحها أنا، أفترى أن يمكنه منها؟ قال: لا والله ما أرى ذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الله إنما أباح لنا أكل ما ذبحوا لأنفسهم بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]، فأما أن نوليهم ذبح شيء نملكه من أجل أنهم لا يأكلون ذبائحنا، فإن هذا مما لا ينبغي للمسلم أن يفعله؛ لأنا إذا كنا نحن نأكل ذبائحهم فهم أحق بأكل ذبائحنا، فإذا أرادوا أن يوجبوا لأنفسهم في دينهم مزية علينا في ديننا بترك أكل ذبائحنا.
فمن الحق علينا ألا نمكنهم من ذبح ما نملكه ولا ننعمهم بذلك عينا؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وكذلك لو كانت الشاة بين مسلم ونصراني لم ينبغ للمسلم أن يمكنه من ذبحها، قال ذلك مالك في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح والصيد والذي ينبغي له أن يفعل أن يقاومه إياها، ولا يمكنه من ذبحها كما لا يمكنه هو من ذبحها، فإن فعل أكلت وبئس ما صنع.
قال ذلك ابن أبي حازم في سماع أشهب من كتاب الذبائح، وقال في سماع يحيى منه لا أحب أن تؤكل، وقد روي عن مالك ما يدل على أنها لا تؤكل وسنذكر ذلك هناك.

.مسألة هل يضحى أو يعق بشيء من الوحش:

وسألته هل يضحى أو يعق بشيء من الوحش، فقال لي: لا، ليس يتقرب إلى الله بشيء من الوحش ولا الطير، ولا يتقرب إلى الله في هذا إلا بالأنعام، قال عز وجل: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: 143] الآية، وقال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} [الحج: 28].. {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28]. ولا يتقرب إلى الله في شيء من هذا إلا بالأنعام.
قال محمد بن رشد: أما الوحش فلا اختلاف في أنه لا يتقرب إلى الله بشيء منها ولا ينسك به في هدي ولا ضحية ولا عقيقة ولا فيما سوى ذلك من الأشياء، وظاهر قوله في هذه الرواية إجازة العقيقة بالإبل والبقر، ومثل ذلك لمالك في كتاب ابن حبيب، وفي سماع سحنون من كتاب العقيقة لمالك: أن السنة في العقيقة الغنم فلا يجزي فيها الإبل، ومثل ذلك في كتاب ابن المواز، والأظهر أنه يجوز فيها الإبل والبقر، وإن كان الأفضل فيها الغنم قياسا على الضحايا؛ لأن حكمها حكمها، وفي وقت ذبحها من النهار وفي جواز الأكل منها وتحريم بيع لحمها وجلدها، ويحمل ذكر النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ الشاة فيها دون البدنة والبقرة على أنه إنما ذكره تيسيرا على أمته.

.مسألة أيضحي الرجل عن أمهات أولاده:

وسألته: أيضحي الرجل عن أمهات أولاده؟ قال لي: إن شاء، قلت: هل هو من ذلك في سعة؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن الضحايا من العبادات المتوجهة إلى الأموال، فليست تجب إلا على من يملك ماله ملكا لا تحجير لأحد عليه فيه بحق الحجر، وهم الأحرار، وحكم أم الولد حكم العبيد في تحجير السيد عليها في مالها وفيما سوى ذلك من جل أحوالها إذ الحرية فيها تبع لرقها.

.مسألة الذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها ولا يشق الأمعاء:

وسألته: عن الذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها ولا يشق الأمعاء؟ قال: إذا شق بطنها فلا أرى أن تؤكل.
قال محمد بن رشد: إذا لم يشق الأمعاء فليس شق البطن بمقتل إلا أن ينثر الحشوة، فقوله في هذه المسألة: لا أرى أن تؤكل إذا شق بطنها يريد، وإن ذكيت وهي قائمة الحياة هو مثل قوله في سماع أشهب من كتاب الذبائح، والصيد خلاف قوله في المدونة في المدقوقة العنق إنها تذكى وتؤكل، وإن كان مثلها لا يعيش، وخلاف قوله أيضا في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح والصيد في المتردية، والقولان فيها كلها جاريان على اختلافهم في قول الله عز وجل: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]. هل هو استثناء متصل أو منفصل؟ فمن رآه استثناء منفصلا أجاز الذكاة منها كلها، وإن كانت قد بلغت مما أصابها مبلغا يعلم أنها لا تعيش منه ما لم تكن قد أنفذت مقاتلها، وهي خمس متفق عليها، وهي قطع الأوداج، وخرق المصيرة، وانتثار الحشوة، وانتثار الدماغ، وقطع النخاع، وهو انقطاع للمخ الذي يكون في عظام الرقبة والصلب، واختلف في اندقاق العنق من غير أن يقطع النخاع، فلم يره ابن القاسم مقتلا، وفي خرق الأوداج من غير أن تقطع، فلم يره ابن عبد الحكم مقتلا، ومن رآه استثناء منفصلا لم يجز الذكاة في شيء منها إذا علم أنها لا تعيش مما أصابها، وإن لم ينفذ ذلك لها مقتلا وهو قول مالك في هذه الرواية، وأما إذا أصاب شيء من ذلك مقاتلها، فلا تذكى ولا تؤكل، وإن كانت الحياة فيها بعد قائمة إلا على قياس رواية أبي زيد عن ابن القاسم في كتاب الديات في الذي ينفذ مقاتل رجل، ثم يجهز عليه آخر أن الآخر يقتل به دون الأول، وهو شذوذ من القول، وبالله التوفيق.

.مسألة الضحية والعقيقة أيطعم منها أحد من النصارى أو غيرهم:

وسألته: عن الضحية والعقيقة أيطعم منها أحد من النصارى أو غيرهم ممن على غير الإسلام؟ فقال: ما سمعت ذلك، وأحب إلي ألا يطعم واحد منهم شيئا.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم سن من سماع ابن القاسم.

.مسألة دبغ جلود الدواب:

وسئل مالك: قيل له: أترى ما دبغ من جلود الدواب طاهر؟ قال: إنما يقال هذا في جلود الأنعام، فأما جلود ما لا يؤكل لحمه فكيف يكون جلده طاهرا إذا دبغ وهو مما لا ذكاة فيه ولا يؤكل لحمه، وقد كان ابن عمر يقول: إني لأحب أن أجعل بيني وبين الحرام سترة من الحلال، ولا أحرمه.
قال محمد بن رشد: في ظاهر جواب مالك في هذه المسألة تناقض؛ لأن قوله فيه إنما يقال: هذا في جلود الأنعام يدل على أن جلود ما سوى الأنعام لا يطهرها الدباغ، وقوله فيه فأما جلود ما لا يؤكل لحمه، فكيف يكون جلده طاهرا إذا دبغ وهو مما لا ذكاة فيه يدل على أن جلود جميع ما يؤكل لحمه من الأنعام وغيرها يطهرها الدباغ ويقتضي كلامه أن جميع ما لا يؤكل لحمه من الدواب والسباع لا تعمل الذكاة في جلودها، ولا يطهرها الدباغ خلاف مذهبه في المدونة في جلود السباع؛ لأنه أجاز فيها تذكيتها لأجل جلودها، وقال في الصلاة: الأول منها لا بأس بالصلاة عليها إذا ذكيت مراعاة للاختلاف في أكل لحومها، كما راعى ذلك أيضا في السلم الثالث منها في جواز بيعها باللحم فكرهه، وإطلاقه الطهارة في هذه الرواية في جلود الأنعام أو في جلود كل ما يؤكل لحمه على ما ذكرناه من الاضطراب بالدباغ، يقتضي الطهارة الكاملة له صلاة وغيرها خلاف المشهور عنه في المدونة وغيرها من أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ إلا للمنافع دون الصلاة، فيتحصل فيما يطهر بالدباغ من جلود الميتات؛ لقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر»، خمسة أقوال؛ أحدها: أنه لا يطهر به إلا جلود الأنعام خاصة، وهو الذي يدل عليه قول مالك في هذه الرواية، إنما يقال ذلك في جلود الأنعام، ووجه هذا القول، إن أهل اللغة قد قالوا منهم النضر بن شميل وغيره: إن الإهاب إنما هو جلد الأنعم، وما عداه فإنما يقال له جلد، ولا يقال له إهاب.
والثاني: إنه يطهر به جلود الأنعام وجلود جميع ما يؤكل لحمه من الوحش وهو دليل قول مالك أيضا في هذه الرواية ما بيناه.
والثالث: إنه يطهر جميع الجلود إلا جلود الدواب وجلود الخنزير، وهو الذي يأتي على مذهب مالك في المدونة أنه قال فيها: إنه يصلي بجلود السباع إذا ذكيت ولا يصلي بجلد الحمار، وإن ذكي، ووقف في الكيمخت، وما يعمل فيه الذكاة على مذهبه يطهره الدباغ.
والرابع: إنه يطهر جميع الجلود كان مما يؤكل وتعمل فيه الذكاة أو مما لا يؤكل ولا تعمل فيه الذكاة حاشا جلد الخنزير، وهذا قول جل أهل العلم منهم الشافعي وأبو حنيفة وهو مذهب ابن وهب من أصحاب مالك وقع قوله في سماع عبد المالك من كتاب الصلاة وفي رسم حبل حبلة من سماع عيسى منه عن إبراهيم النخعي، قال: كان أصحاب النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ يجعلون الكيمخت في سيوفهم ويقولون: دباغه طهوره.
والخامس: إنه يطهر جميع الجلود وجلد الخنزير، وهو قول سحنون ومحمد بن عبد الحكم ومذهب داود بن علي من أهل الظاهر لعموم قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ «إذا دبغ الإهاب فقد طهر؛» لأنهم يرون أن الإهاب اسم لكل جلد، وقد قال أحمد: لا أعرف قول النضر بن شميل، وجل أهل العلم يرون طهارة الدباغ للجلود طهارة كاملة للصلاة والبيع وغير ذلك حاشى المشهور من قول مالك على ما ذكرنا، وذهب ابن حبيب إلى أن الذكاة لا تعمل في جلود السباع العادية ولا في جلود البغال والحمير ويطهرها الدباغ للانتفاع بها خاصة، وتعمل في جلد الفرس وفي جلود السباع التي لا تعدو ولا تفترس، وقد مضى في سماع أشهب من كتاب الوضوء وجه استعمال الآثار الواردة عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ في هذا الباب على المشهور من مذهب مالك فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك.

.مسألة الضحية إذا ذبحت فوجد جوفها فاسدا كله أيجزيه:

وسئل مالك: عن الضحية إذا ذبحت فوجد جوفها فاسدا كله أيجزيه؟ فقال: إن المريضة من الضحايا لا تجوز، فإن لم تكن مريضة فهي مجزية لا بأس بها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا علم بعد الذبح أنها مريضة بما وجد من فساد جوفها لم يجز لقول النبي، عَلَيْهِ السَّلَامُ: «والمريضة البين مرضها»، وإن كانت لا يجب له أن يردها على البائع بذلك؛ لأنه مما يستوي البائع والمشتري في الجهل بمعرفته إلا أن يشبه أن يكون فساد جوفها من ضربة فيجب على البائع اليمين ما علم بذلك، ولا يبيع من لحمها شيئا؛ لأنه ذبحها على أنها نسك، قال ذلك مالك في الواضحة، وقد قيل: إن بيعها لا يحرم عليه إذ لا يضحي بالمعيبة وبالله التوفيق.

.مسألة سلف في ضحايا يأتي بها للأضحى:

ومن كتاب الأقضية:
مسألة وسئل مالك: عمن سلف في ضحايا يأتي بها للأضحى، فلا يأتي بها البائع إلا بعد ذلك، فيقول المشتري: إنما أردتها ضحايا وقد ذهب ذلك الإبان، فقال مالك: هو مثل الذي يبتاع الغطاء للشتاء فيأتيه بها في الصيف، والقمح لإبان يغلو فيه فيأتيه بعد ذلك، فأرى عليه أن يقبله، قلت: أرأيت الذي يتكارى للحج فيأتيه بعد إبان الحج أيكون مثله؟ فقال: ما الحج من هذا فيما أرى ولا مثله.
قال محمد بن رشد: الفرق بين مسألة السلم في الأضاحي يأتيه المسلم إليه بها بعد الأضحى وبين الذي يتكارى للحج فيأتيه الكري بعد إبان الحج أن الذي تسلف في الأضاحي على أن يأتيه المسلم إليه في الأضحى إنما تسلف أن يأتيه في الأضحى رجاء نفاقها في ذلك الوقت وليس على يقين من ذلك إذ قد تكون الكباش في غير الأضحى أنفق منها في الأضحى فيتم غرضه المبتغى، وإن لم تكن أنفق فلها قيمة وفيها منفعة على كل حال، والحج لا ينتقل عن وقته، فإذا لم يأته الكري إلا بعد إبانه فقد علم فوات غرضه، وأنه لا منفعة له في السير في غير إبان الحج، فوجب أن ينفسخ الكراء بينهما، وفي مسألة الضحايا اختلاف، قد قيل: إنه إذا أتاه بها بعد الأضحى بعد اليوم واليومين لزمه، وإن أتاه بها بعد الأيام الكثيرة لم يجبر على أخذها، روى ذلك مطرف عن مالك، وذلك جار على الاختلاف في السلم ينعقد على تعجيل رأس المال فيتأخر النقد إلى حلول الأجل بهروب من المسلم وهو عرض على ما في المدونة أو عين على ما حكى ابن حبيب في الواضحة، فعلى ما في المدونة من أن السلم جائز لازم للمسلم إليه ولا خيار له فيه يأتي قوله في هذه الرواية أن المسلم يلزمه أخذ الضحايا وإن لم يأته بها إلا بعد الأضحى بكثير، وعلى ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن القاسم وهو قول ابن وهب من أن المسلم إليه باختيار إذا هرب له المسلم برأس المال حتى حل الأجل يكون المسلم إليه بالخيار في مسألة الضحايا إذا لم يأته بها إلا بعد الأضحى بكثير، وهي رواية مطرف عن مالك، وفي إلزامه بالقرب دون البعد نظر لكساد اللحم قرب أيام النحر لكثرته بأيدي الناس من ضحاياهم.

.مسألة سرق رجل رأس أضحية رجل:

ومن كتاب المدلس من سماع عيسى بن دينار من كتاب أوله نقدها نقدها:
مسألة قال عيسى: قول ابن القاسم في رؤوس الضحايا يخطأ بها في الأفران، يذهب برأس أضحية هذا إلى هذا فيأكلان ذلك، ثم يعلم ذلك، قال: يتحللان ولا شيء عليهم، وإن طلب كل واحد منهما قيمة الذي له أو فضل الذي له على الذي لصاحبه فلا شيء له، وإنه إن سرق رجل رأس أضحية رجل أنه ما أحرى أن يضمن في السرقة، وما هو بالقوي عندي وأحب إلي أن يتركها ولا يأخذها يريد القيمة ألا يأخذها، كأنه رأى أنه قد باع بعض أضحيته إذا أخذ لها ثمنا، قال عيسى: أحب إلي أن يأخذ الثمن من السارق ويتصدق به.
قال محمد بن رشد: فرق ابن القاسم في رؤوس الضحايا بين الاختلاط والسرقة، فقال: لا شيء على الذي أكل أفضل من متاعه للذي أكل متاعه في الفضل، وكذلك على قوله لو أخطأ فأكل رأس غيره، ولم يأكل له أحد شيئا لم يكن عليه شيء في الذي أكل على سبيل الخطأ إذ لا فرق في القياس بين الكل والفضل، وقال في السرقة: أن يضمن السارق في السرقة، وإن كان الأحب إليه ألا يفعل، وذلك استحسان إذ لا فرق في وجه القياس بين الخطأ والعمد لوجوب ضمان الأموال بها جميعا وجوبا واحدا، فوجب أن يضمن في الوجهين أيضا على القول: بأن أخذ القيمة فيما استهلك ليس ببيع وألا يضمن في الوجهين أيضا على القول: بأن أخذ القيمة فيما استهلك بيع، وإذا أخذ القيمة على القول بأن ذلك ليس ببيع فله أن يتمولها ويفعل ما شاء؛ لأن الحرمة إنما كانت في عين لحم الأضحية لا في القيمة المأخوذة عنه، وكذلك قال ابن حبيب في الواضحة إن له أن يأخذ القيمة ويصنع بها ما شاء إذ ليس ذلك ببيع كمن حلف ألا يبيع سلعة له فاستهلكها له رجل أن له أن يضمنه قيمتها ولا يحنث قال ذلك في رأس الأضحية يسرق أو جلدها يضيع عند الرقاق، ومثله في كتاب ابن المواز لمالك، قال: وإذا اختلطت الرؤوس في الفران كرهت لك أن تأكل متاع غيرك ولعل غيرك لا يأكل متاعك، أو متاعه خير من متاعك، قال: ولو اختلطت برؤوس الفران كان خفيفا؛ لأنه ضامن كما يضمن لحم الأضاحي بالتعدي والزرع الذي لم يبد صلاحه، وقول عيسى بن دينار أحب إلي أن يأخذ الثمن من السارق ويتصدق به قول ثالث في المسألة لا وجه له؛ لأن أخذ القيمة من السارق إن لم يكن بيعا له فلا وجه لاستحباب التصدق بها، وإن كان بيعا له فلا يجوز ذلك وأن يتصدق بها ألا ترى أنه لا يجوز للرجل أن يبيع جلد أضحيته ولا شيئا منها ليتصدق بالثمن وأصل ما يقاس عليه هذه المسألة ويبين به صحة ما ذكرناه فيها مسألة الجناية على أم الولد، وذلك أن بيعها لا يجوز ويجوز الاستمتاع بها، كما أن لحوم الضحايا لا يجوز بيعها ويجوز أكلها والاستمتاع بجلودها، واختلف فيها إن قتلت، فقيل: إنه لا قيمة على قاتلها إذ لا يجوز بيعها، ولأنه إنما أتلف على سيدها متعة، وهو قول سحنون، وقيل: إن عليه قيمتها وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، ولم يقل أحد إنه يأخذ القيمة ويتصدق بها، ولا فرق في ذلك بين العمد والخطأ، فوجب أن ترد مسألة الضحايا إلى ذلك، وإنما كره مالك في كتاب محمد بن المواز للرجل إذا اختلطت رؤوس الضحايا في الأفران أن يأكل متاع غيره ولم يحرم ذلك؛ لأن حكم ذلك حكم لقطة مالا يبقى من الطعام حيث لا يوجد له ثمن إذ لا يجوز بيعه فأكله جائز إذا لم يعلم صاحبه، وخشي عليه الفساد؛ لقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ في الشاة: «هي لك أو لأخيك أو للذئب». والتصدق بذلك أفضل، بخلاف الخبز واللحم من غير الأضاحي يختلط في الفران فلا يعلم الرجل لمن هذا الذي سيق إليه ولا عند من صار متاعه، فإنه يجب عليه أن يبيعه ويوقف ثمنه على حكم اللقطة.

.مسألة الغنم تجلب إلى الحاضرة ويقدمون بها إلى المدينة فيشتريها الجزارون منهم:

ومن كتاب أوله عبد استأذن سيده في تدبير جاريته:
مسألة قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن الغنم تجلب إلى الحاضرة فإذا كانت على الميلين أو الثلاثة تركها أصحابها في المرعى ويقدمون إلى المدينة فخرجوا بالجزارين فاشتروها منهم، فقال: لا خير فيه وهذا من تلقي السلع، قلت له: فإن عندنا في الأضحى يوما يؤتى بالغنم فيمر بها في المدينة إلى موقفها الذي توقف فيه فتمر بباب الرجل فيريد أن يبتاع أضحيته، فقال: لا يفعل حتى تنهي إلى موقفها، وقال: الضحايا وما يتقرب به إلى الله أحق ما احتيط فيه.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم حلف من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته.

.مسألة يشترون الضحايا قبل يوم النحر بيوم فيخرج بها الراعي فتختلط:

ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده:
مسألة قال ابن القاسم في القوم يشترون الضحايا قبل يوم النحر بيوم فيخرج بها الراعي بأفنيتهم ويخلطونها ويأخذ الرجل منهم الكبش وهو يراه كبشه فيذبحه ويضحي به، ثم يتبين له أنه غير كبشه، وأنه لغيره، قال: أرى أن يعود فيذبح كبشه الذي كان سمى لنفسه ويخير صاحب الكبش المذبوح فإن شاء أخذ لحم كبشه ولم يكن له غير ذلك، وإن شاء أخذ قيمته يوم ذبحه، فقلت له: أرأيت إذا أخذ من الذي ذبحه قيمة كبشه هل ترى للذي ذبح الكبش وغرم قيمته أن يبيع ذلك اللحم؟ قال: لا أرى له أن يبيعه وليأكله إن شاء أو يتصدق به وأكره أن يبيعه.
قال محمد بن أحمد: وإن أخذ صاحب الكبش اللحم ولم يضمنه القيمة كان له أن يبيعه ويصنع به ما شاء؛ لأنه لم يذبحه هو على الضحية به، وقد قيل: إنه يجزيه الضحية إذا أغرمه رب الكبش القيمة، وفرق ابن حبيب بين أن يضمنه القيمة واللحم قائم، أو بعد فواته، وقد مضى بيان هذا كله في آخر أول رسم من سماع أشهب من كتاب الحج فلا معنى لإعادته.

.مسألة ضلت منه أضحية فوجدها بعد أيام الذبح وقد ضحى بأخرى:

قلت: أرأيت إن ضلت منه أضحية فوجدها بعد أيام الذبح وقد ضحى بأخرى أو لم يضح هل له أن يبيعها؟ قال مالك: نعم يصنع بها ما شاء بعد أن ضحاها في أيام النحر، قال ابن القاسم: ولو أصابها في أيام النحر وقد كان ضحى ببدلها لم يكن عليه أن يذبحها؛ لأن له أن يبدلها بخير منها.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما في المدونة وغيرها من أن الضحية لا تجب إلا بالذبح، فإذا وجدها وقد مضى ضحى ببدلها أو بعد أيام الذبح لم يجب عليه فيه شيء، إذ لا يضحي أحد في غير أيام النحر، وقد مضى في أول سماع ابن القاسم ما فيه بيان هذا.

.مسألة يخرج قبل يوم النحر فيشتري الكبش فينفلت منه:

قلت: فالرجل يخرج قبل يوم النحر بيوم إلى سوق الغنم، وقد كثر الناس الجلائب فيشتري الكبش يضحي به فيدفعه إلى غلامه فينفلت فيدخل بعض تلك الأدواد فلا يعرفه صاحب الدود ولا مشتريه، قال: يكون مشتريه شريكا لصاحب الدود فإن كانت غنمه مائة أعطى جزءا من مائة جزء، وجزء، قلت: أرأيت إن كان مشتريه يريد أن يتعجل أخذ شاة لحاجته؟ قال: يكون ذلك له ويعطى شاة من وسط الغنم بالقيمة ولا يعطى من أدناها ولا من أعلاها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة المعنى على معنى ما في كتاب بيع الغرر من المدونة في الذي اشترى العدل بالبرنامج على أن فيه خمسين ثوبا فوجد فيه أحدا وخمسين ثوبا، والاختلاف في هذا هنا كالاختلاف في تلك هناك سواء؛ لأنه قال فيها: إن المبتاع يرد جزءا من أحد وخمسين جزءا من الثياب، يريد يكون البائع شريكا له بذلك في جميع الثياب كما قال ها هنا: إن صاحب الكبش يكون شريكا لصاحب الدود بجزء من مائة جزء وجزء، إن كانت غنمه مائة، فإن أراد القسمة على هذا القول ضربا بالسهام على الغنم وعلى الثياب، فإن خرج السهم على كبش من الكباش وقيمته أكثر من جزء مائة جزء وجزء كان لصاحب الكبش منه من مائة جزء وجزء، وكانت بقيته لصاحب الدود يكون شريكا له فيه بذلك، وإن خرج السهم على ثوب من الثياب وقيمته أكثر من جزء واحد وخمسين جزءا كان للبائع منه بجزء من أحد وخمسين جزءا وكانت بقيته للمشتري يكون شريكا له فيه بذلك، وإن ضرب بالسهام على الغنم والثياب، فخرج السهم على كبش من الكباش وقيمته أقل من جزء من مائة جزء وجزء كان لصاحب الكبش، وضربا ثانية على الكباش فما خرج عليه السهم منها كانا فيه شريكين صاحب الكبش بما بقي من جزئه وصاحب الدود ببقيته وكذلك إن خرج السهم على ثوب من الثياب وقيمته أقل من جزء من أحد وخمسين جزءا كان للبائع، وأعيد السهم ثانية فما وقع عليه من الثياب كانا فيه شريكين أيضا البائع بما له من جزئه والمبتاع ببقيته، ثم قال بعد ذلك خلاف هذا الجواب: إنهما إن أرادا الاقتسام يعطى صاحب الكبش شاة من وسط الغنم بالقيمة أي بجزء من مائة جزء وجزء، فإن لم يكن في الغنم كبش يكون قيمته جزءا من مائة جزء وجزء من جميع الغنم إلا كبشا واحدا، أخذه ولم يكن له غيره، وإن وجد فيها كباشا يكون قيمة كل واحد منها جزءا من مائة جزء وجزء، ضربا عليها بالسهام، فكان لصاحب الكبش منها الذي يقع عليه السهم إلا أن يتفقا على أن يأخذ أحدها من غير قرعة فيجوز ذلك، كما قال في المدونة أيضا في مسألة الثياب، خلاف جوابه الأول أنه يرد ثوبا كأنه عيب وجده فيه يريد أنه يعطيه من الثياب ثوبا قيمته جزء من أحد وخمسين جزءا من الثياب، فإن لم يكن في الثياب ثوب تكون قيمته جزءا من واحد وخمسين جزءا من جميع الثياب إلا ثوبا واحدا أخذه البائع ولم يكن له غيره، وإن وجد فيها عددا من الثياب قيمة كل واحد منها جزء من أحد وخمسين جزءا ضربا عليها بالسهام فكان للبائع منها الذي يقع عليه السهم، إلا أن يأخذ أحدها دون قرعة، فهذا تفسير هذه المسألة ومسألة المدونة، والقول الأول فيهما جميعا أظهر أنهما يكونان شريكين في الغنم والثياب ويضربان عليها بالسهم إذا أرادا القسمة، ولا يكون لصاحب الدود أن يعطي لصاحب الكبش كبشا من وسطها، بالقيمة التي هي جزء من مائة جزء وجزء إلا أن يخرجه له السهم ولا للمبتاع أن يرد على البائع ثوبا تكون قيمته جزءا من أحد وخمسين جزءا إلا أن يخرجه له السهم، وهو اختيار ابن القاسم في المدونة، وكذلك يختلف في هاتين المسألتين اختلافا واحدا إن تلف من الثياب أو الغنم شيء أو استحق قبل القسمة، فقيل: إن ما تلف أو استحق منها وما بقي بينهما على التجزئة المذكورة وحكم الشركة الثابتة الصحيحة، وهو مذهب مالك المشهور عنه، وقوله الأول في هاتين المسألتين، وقيل: إن ما تلف أو استحق لا يكون منهما إذ لم تتقرر الشركة بينهما بعد؛ لأنها شركة يوجبها الحكم فلا تنعقد بينهما إلا بعد التقويم والرضي بالبقاء على حكم الشركة، ويبقى التداعي بينهما في الباقي، فإن كان الذي تلف من الغنم كبشا واحدا كان لصاحب الدود تسعة وتسعون كبشا ونصف كبش، ولصاحب الكبش نصف كبش، ويقتسمان الغنم على هذه التجزئة فيكون منها لصاحب الكبش نصف جزء من مائة جزء ولصاحب الدود تسعة وتسعون جزءا ونصف جزء، وهو مذهب ابن القاسم، وهذه الشركة التي يوجبها الحكم إذا وقعت فيما فيه الشبهة لا يجب بها الشفعة إلا فيما بيع بعد التقويم والرضي بالبقاء على حكم الشركة على مذهب ابن القاسم الذي لا يرى المصيبة فيما تلف قبل ذلك بينهما.
ومثال ذلك أن يشتري الرجل من أرض قربه قد عرفها ووقف عليها مبدراحد دون أن يعين موضعا أو يشترط أن يختار أو يوهب له منها مبدراحد أيضا ثم يباع بعد ذلك جزء من القرية على الإشاعة قبل أن تكسو الأرض فيعرف مبلغ الأمد المشتراة أو الموهوبة فيتراضيان على البقاء على حكم الشركة فيجب له الشفعة على قول مالك الأول في هذه المسألة وفي مسألة بيع البرنامج المذكور واختيار ابن القاسم فيها ولا يجب على قول مالك الثاني فيهما ولا على قول ابن القاسم الذي ذكرناه.